سورة الفرقان - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{تبارك} وزنه تفاعل وهو مطاوع بارك من البركة، وبارك فاعل من واحد معناه زاد، و{تبارك} فعل مختص بالله تعالى لم يستعمل في غيره، ولذلك لم يصرف منه مستقبل ولا اسم فاعل، وهو صفة فعل أي كثرت بركاته ومن جملتها إنزال كتابه الذي هو {الفرقان} بين الحق والباطل، وصدر هذه السورة إنما هو رد على مقالات كانت لقريش، فمن جملتها قولهم إن القرآن افتراه محمد صلى الله عليه وسلم وإنه ليس من عند الله فهو ردّ على هذه المقالة، وقرأ الجمهور {على عبده}، وقرأ عبد الله بن الزبير {على عباده}. والضمير في قوله {ليكون} يحتمل أن يكون وهو عبده المذكور وهذا تأويل ابن زيد، ويحتمل أن يكون ل {الفرقان}، وأما على قراءة ابن الزبير فهو ل {الفرقان} لا يحتمل غير ذلك إلا بكره، وقوله {للعالمين} عام في كل إنسي وجني عاصره أو جاء بعده وهو متأيد من غير ما موضع من الحديث المتواتر وظاهر الآيات، والنذير المحذر من الشر والرسول من عند الله نذير، وقد يكون {نذيراً} ليس برسول كما روي في ذي القرنين وكما ورد في رسل رسل الله إلى الجن فإنهم نذر وليسوا برسل الله.
وقوله {الذي له ملك السماوات} الآية هي من الرد على قريش في قولهم إن لله شريكاً، وفي قولهم اتخذ البنات، وفي قولهم في التلبية إلا شريك هو لك، وقوله {خلق كل شيء}، هو عام في كل مخلوق وتقدير الأشيء هو حدها بالأمكنة والأزمان والمقادير والمصلحة والإتقان، ثم عقب تعالى ذكر هذه الصفات التي هي للألوهية بالطعن على قريش في اتخاذهم آلهة ليست لهم هذه الصفات، فالعقل يعطي أنهم ليسوا بآلهة وقوله، {وهم يخلقون}، يحتمل أن يريد يخلقهم الله بالاختراع والإيجاد، ويحتمل أن يريد يخلقهم البشر بالنحت والنجارة وهذا التأويل أشد إبداء لخساسة الأصنام، وخلق البشر تجوز ولكن العرب تستعمله ومنه قول زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبع *** ض القوم يخلق ثم لا يفري
وهذا من قولهم خلقت الجلد إذا عملت فيه رسوماً يقطع عليها والفري هو أن يقطع على ترك الرسوم، وقوله، {موتاً ولا حياة} يريد إماتة ولا إحياء، والنشور بعث الناس من القبور.


المراد ب {الذين كفروا} قريش وذلك أن بعضهم قال: {هذا إفك} وكذب {افتراه} محمد واختلف المتأولون في القوم المعينين على زعم قريش، فقال مجاهد أشاروا إلى قوم من اليهود، وقال ابن عباس أشاروا إلى عبيد كانوا للعرب من الفرس أحدهم أبو فكيهة مولى الحضرميين وجبر ويسار وعداس وغيرهم، ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم ما {جاؤوا} إلا إفكاً {وزوراً} أي ما قالوا إلا باطلاً وبهتاناً، والزور تحسين الباطل هذا عرفه وأصله التحسين مطلقاً، ومنه قول عمر رضي الله عنه: فأردت أن أقدم بين يدي أبي بكر مقالة كنت زورتها. وقوله. {وقالوا أساطير الأولين}، قال ابن عباس يعني بذلك قول النضر بن الحارث، وذلك أن كل ما في القرآن من ذكر {أساطير الأوليين} فإنما هو بسبب قول النضر ابن الحارث حسب الحديث المشهور في ذلك ثم رموا محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه {اكتتبها} وقرأ طلحة بن مصرف {اكتُتِبها} بضم التاء الأولى وكسر الثانية على معنى اكتتب له، ذكرها أبو الفتح، وقرأ طلحة {تُتلى} بتاء بدل الميم، ثم أمره تعالى أن يقول إن الذي أنزله هو الله {الذي يعلم} سر جميع الأشياء التي {في السماوات والأرض} ثم أعلم بأنه غفور رحيم ليرجي كل سامع في عفوه ورحمته مع التوبة والإنابة، والمعنى أن الله غفور رحيم في إبقائه على أهل هذه المقالات.


الضمير في قوله {قالوا} لقريش، وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس مشهور، ذكره ابن إسحاق في السير وغيره، مضمنة أن سادتهم عتبة بن ربيعة وغيره اجتمعوا معه فقالوا يا محمد إن كنت تحب الرياسة وليناك علينا، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا، فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا في باب الاحتجاج عليه فقالوا له ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام وتقف بالأسواق وتريد التماس الرزق، أي إن من كان رسول الله مستغن عن جميع ذلك، ثم قالوا له سل ربك أن ينزل معك ملكاً ينذر معك أو يلقي إليك كنزاً تنفق منه، أو يرد لك جبال مكة ذهباً أو تزال الجبال ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه، وأشاعوا هذه المحاجة فنزلت الآية وكتبت اللام مفردة من قولهم {ما ل} هذا إما لأن على المصحف قطع لفظه فاتبعه الكاتب، وإما لأنهم رأوا أن حروف الجر بابها الانفصال نحو في ومن وعلى وعن. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر {يأكل منها} بالياء، وقرأ حمزة والكسائي {نأكل منها} بالنون وهي قراءة ابن وثاب وابن مصرف وسليمان بن مهران، ثم أخبر تعالى عنهم وهم {الظالمون} الذين أشير إليهم أنهم قالوا حين يئسوا من محمد صلى الله عليه وسلم {إن يتبعون إلا رجلاً مسحوراً} أي قد سحر فهو لا يرى مراشده، ويحتمل {مسحوراً} أن يكون من السحر وهي الرؤية فكأنهم ذهبوا إلى تحقيره، أي رجلاً مثلكم في الخلقة، ذكره مكي وغيره، ثم نبّهه الله تعالى مسلياً عن مقالتهم فقال {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} بالمسحور والكاهي والساحر وغيره {فضلوا} أي أخطئوا الطريق فلا يجدون سبيل هداية ولا يطيقونه لالتباسهم بضده من الضلال، وقوله تعالى: {تبارك الذي} الآية رجوع بأمور محمد صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى، أي هذه جهتك لا هؤلاء الضالون في أمرك، والإشارة في ذلك قال مجاهد هي إلى ما ذكره الكفار من الكنز والجنة في الدنيا، وقال ابن عباس هي إلى أكله الطعام ومشيه في الأسواق، وقال الطبري والأول أظهر.
قال القاضي أبو محمد: لأن هذا التأويل الثاني يوهم أن الجنّات والقصور التي في هذه الآية هي في الدنيا وهذا تأويل الثعلبي وغيره، ويرد ذلك قوله تعالى بعد ذلك {بل كذبوا بالساعة} [الفرقان: 11] والكل محتمل، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحفص ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي {ويجعلْ} بالجزم على العطف على موضع الجواب في قوله {جعل} لأن التقدير تبارك الذي إن يشأ يجعل.
وقرأ أبو بكر عن عاصم أيضاً وابن كثر وابن عامر {ويجعلُ} بالرفع والاستئناف، وهي قراءة مجاهد، ووجوه العطف على المعنى في قوله {جعل} لأن جواب الشرط هو موضِع الاستئناف، ألا ترى أن الجمل من الابتداء والخبر قد تقع موقع جواب الشرط، وقرأ عبد الله بن موسى وطلحة بن سليمان {ويجعلَ} بالنصب وهو على تقدير {أن} في صدر الكلام، قال أبو الفتح هي على جواب الجزاء بالواو وهي قراءة ضعيفة، وأدغم الأعرج {ويجعل لك} وروي ذلك عن ابن محيصن، والقصور البيوت المبنية بالجدرات قاله مجاهد وغيره، وكانت العرب تسمي ما كان من الشعر والصوف والقصب بيتاً، وتسمي ما كان بالجدرات قصراً لأنه قصر عن الداخلين والمستأذنين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7